الرَّحِيلُ الأخِير

ورحل..
ذاك النورس الشامخ كمنارة
غادر أمواجه ذاك البحر
غادر شطآنه..
بواخره وموانئه..
مُزِّق جناحه..
في ليل لا صباح له..
في غروب لا شروق بعده..

قولي لي أيتها الجدران الخاوية
يا بيت الطفولة يا أعمدة سريره
يا ركنه.. ملائته.. وسادته..
يا كل العالم الذي كان يحيطه
قولوا لي ما لون الحياة بعده؟!

**

أيتها الصور التي تتحدث
ويا رائحة المسك في ذاكرتي
أيها الكفن الذي لم أره
ويا عرسا حضرتُ بعده

أيقظوني.. قولوا أنه يختبئ ليختبر معزته لديّ
قولوا ذلك كي أجهش بالضحك بدل البكاء
قولوا أنه يمازحني بذكاء..

أيها الليل كم انت طويل..
يحوطك الحزن من امام وخلفك..
ويمينك ويسارك..

**

يا ليلته الأخيرة التي كنتُ بعيدة عنها..
لِم لم تتمهلي قليلا..؟
لِم سارعتِ وأمامك الموت الطويل.؟.
والعمر الطويل..
والليل الطويل..
والحزن الطويل الطويل..

يا أبي.. أشرع ذراعيك كأبواب الجنة واحتويني
يا أبي.. أشرع جناحيك..
لَم تسعك الأركان يا نورسا امتهن السفر..
لَم تسعك الجدران

يا لحنا اندلسيا لا يشبه الألحان
أيها الرحالة العتيق ها هو ذا رحيلك الأخير!!
ها أنت تمتطِي صهوة تابوت
تحمله أمواجٌ من اكتاف
سفينة شراعها من كفن..
ها هي ذي رحلتك الأخيرة..
لن تعود منها أبتي كي تقص عليّ حكاياها
يا أبتِ كيف أستوعب أنك لن تعود؟
يا سندي ويا ظلي الظليل

**

يا من كانت تلمع لضحكته النجمات
وتتكسر عند بسمته كل الأحزان
تبكيك أبتي أشيائك..
سبحتك.. مصحفك.. وعطر الريحان
نظاراتك.. وجلابيبك البيضاء وسجادتك
البحار تبكيك.. والنوارس والموانئ
يبكيك الموج والسحاب
المسجد.. والمئذنة..
الفجر والشروق والغروب..
يبكيك الورد والزنبق وشقائق النعمان..

**

أيا أبي..
من أين لي حضنك؟
ضحكتك وصوتك؟
يدك التي طالما كانت تربت على كتفي بحنان
دخلتُ بيتنا العتيق وقد رحلتَ منه رحيلك الأخير!!
لم أسمع صوتك.. ولم أر بسمتك!!
لم اجد سوى النحيب
ودموع عماتي وحزن امي
وأحضان حزينة ساقعة لم تشعرني بالحنان
وكلمات رثاء أعرفها وأخرى لم اعرفها
وبكاء ويكاء..
وخبز يوزع على روحك وحبات تين
وآهات تصدر من الجدران وأنين

البيت بعدك صار مقبرة..
تُدفَن فيها باقي السنين!!
والصبح يا أبتِ صار أمنية حزينة
يتفتت الصخر لها ويلين

عد يا والدي ولملم أحزاني
عد ولو في الحلم..
ولو للحظة أقبل فيها قدميك
وأمسح من جبينك تعب السنين

يا أبتِ رحمك الله
وأسكنك الجنة مع الصالحين

نبذة عن:

أسماء أخزان

أسماء أخزان، من مواليد 10/07/1977 بمدينة العرائش (المملكة المغربية).
اهتماماتي: الأدب والشعر، وهواياتي: الكتابة والمطالعة.

رابط المدونة: همس الأقلام

عدد المقالات المنشورة: 9.

تابع جديد أسماء أخزان: الخلاصات

التعليقات: 6

  • بقلم عبد الهادي اطويل بتاريخ 6 سبتمبر, 2010, 20:25

    كلمات تدمع حزنا على فراق عزيز، عزيز غال أراده الله فكان لله ما أعطى ولله ما أخذ..
    رحم الله أباك يا أسماء رحمة واسعة، وألهمكم الصبر والسلوان في فقدانه، وإنا لله وإنا إليه راجعون..

  • محمد حادين
    بقلم حادين محمد بتاريخ 7 سبتمبر, 2010, 2:32

    الموت أستاذ، لكل إنسان مؤمن بالله، الرحمة لمن نام تحت التراب، ولمن لا زالت الدنيا تلاعبه
    صدقت أختي أسماء

  • بقلم كميت بتاريخ 7 سبتمبر, 2010, 9:38

    رحم الله أباك أخت أسماء
    وفي الواقع أذكرتني هذا القصيدة بأشياء كثيرة جعلتني أشعر بوجوب البكاء

  • عبير أكوام
    بقلم عبير أكوام بتاريخ 8 سبتمبر, 2010, 23:11

    أبكيتني والبكاء فيه حداد،
    كوني بخير ايتها البسمة

  • بقلم اسماء اخزان بتاريخ 8 أكتوبر, 2010, 9:35

    أخي عبد الهادي أطويل.. بارك الله فيك ورحم جميع موتى المسلمين.. الحمد لله على نعمة الصبر والعقل،، لك مني كل الشكر…

    الأخ حادين محمد،، الرحمة للموتى والأحياء.. وكل من عليها فانِ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.. صدق الله العظيم.. شكرا أخي

    أخي كميت.. أحيانا نحتاج للبكاء كما احتياجنا للبسمة، رحم الله موتانا جميعا يا أخي وجزاك كل الخير.. تحياتي لك

    عزيزتي عبير.. وأحيانا يكون في البكاء ارتياح،، أن نبكي خير من أن نخفي دموعنا خلف بسمات مصطنعة من كثرة أتراحنا،، سأحاول المرة المقبلة أن أجعلكِ تتبسمين ^ـ^ أعتذر من دموعكِ التي نزلت..
    لكِ المودة والتحية أيتها العزيزة

  • بقلم نورالدين بتاريخ 11 أكتوبر, 2010, 10:12

    تحياتي اليك اختي ورحم الله من رحل
    الفراق صعب جدا ولا يعوض الذين رحلوا شيء الا الصبر
    قصيدة حزينة وفيها ابداع لأن من حسنات الالم ان يجعلنا نخرج ما يعلق بدواخلنا ولا شيء يجعلنا عظماء مثل الالم الشديد

هل لديك تعليق؟

  • هل تريد صورة مصغرة بجانب تعليقك؟ يمكنك ذلك من خلال التسجيل في خدمة Gravatar. كما يمكنك الاستئناس بهذا الشرح.
  • يرجى التعليق باللغة العربية الفصحى، وباسم مكتوب بأحرف عربية.
© 2024 مجلة القراء.
هذا الموقع يستعمل وورد بريس المعرب، تصميم وتركيب دنيا الأمل.