- 2010/06/11
- ثقافة وفنون
- الزيارات: 3٬491
- تعليق واحد
سلاح نووي
أحمد مطر شاعر الكلمة الطريفة والساخرة، له قصيدة – أو لافتة كما يحب تسميتها- بعنوان: “سلاح نووي”، ملخصها أن العدو ينظر إلى كلمة “لا” (ناو بالانجليزية)على أنها سلاح نووي.
فالكلمة إذن ليست شيئا تافها أو حقيرا، وإنما هي قضية خطيرة من الممكن أن تصبح سلاحا فتاكا ومدمرا، فرب كلمة يتكلم بها المرء لا يلقي لها بالا ترفعه أعلى الدرجات، ورب كلمة أخرى يتكلم بها لا يلقي لها بالا تهوي به إلى أسفل سافلين.
وقد ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء توتي أكلها كل حين بإذن ربها، فرب كلمة من رضا الله يتكلم بها الإنسان غير مهتم بقيمتها وأثرها تنتقل بسرعة الصوت، فتكشف الغطاء عن أعين عميا و قلوب غلفا، وهكذا كانت كلمة جمال الدين الأفغاني فقد أحيى الله بها أمة ميتة، وبعثها من جديد “أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا” [الأنعام:122].
ولقد كانت بعثة النبي عليه الصلاة والسلام بكلمة “إقرأ” حيث أعطيت الكلمة قدسية خاصة، وأصبحت الكلمة معجزة، فتم الانتقال من عالم المحسوسات والأشياء إلى عالم الأفكار، وعالم الكلمات، كما تم الانتقال من الثقافة الشفهية التي تتعرض للتحريف والتشويه والزيادة والنقصان إلى الثقافة المكتوبة المحفوظة: “اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ” [العلق: الآيات من 1 إلى 5].
فمع انتشار الكتابة والقراءة وعملية التدوين أصبح الكلام أكثر خطورة وأشد فتكا، وقد قال تعالى في شأن القرآن الكريم: “وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا” [الفرقان:52]، فالجهاد ليس بالدبابات والطائرات والصواريخ فقط، وإنما أيضا بالكلمة وبالقلم.
وبهذا نكون قد وصلنا إلى فهم سليم لمفهوم الجهاد بحيث نستطيع التفريق بينه وبين القتال، بل إن في الأثر أن مداد العلماء يوزن بدماء الشهداء، فترجح كفة مداد العلماء.
وقد جمع الله سبحانه في الآية السالفة الذكر بين القراءة والكرامة، فالذي يحقق الكرامة للأمة والإنسانية جمعاء ليس هو السلاح النووي، ولكنه العلم والثقافة وانتشار المعرفة وانعدام الجهل والأمية.
إن صعود اليابان وألمانيا المحطمين في الحرب العالمية الثانية لم يكن اعتمادا على عالم الأشياء، من أسلحة وغيرها، بل كان اعتماد على عالم الأفكار التي تحولت إلى كلمات ثم إلى منهج حياة، في حين سقط الاتحاد السوفياتي وهو يملك من وسائل الدمار ما يهلك به البلاد والعباد، ولكنه انهار ولم يجد له من أولياء ينصرونه من أمر الله، وما كان منتصرا.
وعندما سبق الروس إلى إرسال صاروخ سبوتنيك إلى الفضاء اعتبر الأمريكيون ذلك خطرا عظيما عليهم، فردوا عليه، ليس بقصف موسكو بالصواريخ عابرة القارات، ولكن بإصلاح نظامهم التعليمي.
فارتقاء الدول وتقدمها يكون بالقراءة والتعلم، وأكثر الأمم تقدما قديما وحديثا هي أكثرها قراءة، ففتوحات الاسكندر كما يذكر الدكتور خاص جلبي كانها وراءها فلسفة أرسطو، ونفس الشيء تكرر مع العرب والمسلمين عندما كان فيهم مثل الغزالي وابن رشد وابن خلدون…
وتجلس اليوم أمريكا واليابان على رأس العالم بما تمتلكه من مؤسسات علمية من جامعات ومعاهد تستقطب المواهب من مختلف أنحاء العالم.
وعلى نفس المنوال تصعد دول شرق أسيا بالاعتماد على العلم والقراءة وانتشار التعلم وشيوع الثقافة…
هذه آيات بينات، تحدث أمامنا، ولكننا في ضلال مبين؛ على ابصارنا غشاوة، وفي آذننا وقر، وبيننا وبينها حجاب.
“وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ [يوسف:105].
تعليق واحد
هل لديك تعليق؟
- هل تريد صورة مصغرة بجانب تعليقك؟ يمكنك ذلك من خلال التسجيل في خدمة Gravatar. كما يمكنك الاستئناس بهذا الشرح.
- يرجى التعليق باللغة العربية الفصحى، وباسم مكتوب بأحرف عربية.
بعد التحية، عندما يفقد اي مجتمع مكوناته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والعلمية والاخلاقية يكون الانهيار جارف وبالتالي فان الجوانب الاساسية التي يقف عليها المجتمع هي بمثابة اعمدة. واعتقد ان هذه الاعمدة التي يقام عليها اي مجتمع متهرهرة ومترهلة وفي اسواء حالتهاوفي لكنها لم تنهار وللاسف ( لان البناء الجديد افضل من الترميم) وبالتالي فإن مشكلة العالم العربي ليست في القراءة فقط ويا ليتها وقفت الامور عند هذا الحد .. واخبرا لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما في انفسهم.
مع الاحترام