- 2009/10/28
- أسرة ومجتمع
- الزيارات: 9٬100
- التعليقات: 4
سلوكات الشباب: اختلاف مظاهر أم اختلاف قيم؟
في كل مرة يثار الحديث عن التربية في مجتمعاتنا العربية يحن البعض إلى ماضيه، معتزا به أيما اعتزاز، مستنكرا وضع الشباب في الوقت الراهن ومستهجنا غياب بعض القيم النبيلة انطلاقا من مقارنته بين الماضي والحاضر المعاش.
لكن ما يغفله الكثيرون أن مجموعة من الأساسيات (التي يعتقدون أنها اضمحلت) لازالت قائمة بقوة وما تغير إلا مظهرها. سأوضح هذه الفكرة قبل إسقاطها على سلوكات الأجيال الحالية ومثيلتها عند الآباء والأجداد: إذا استضاف أحد قريبا له أو صديقا سعى إلى إكرامه بأن يملأ المائدة لحما وسلطات… وقد ترى في بعض الموائد الراقية شرائح اللحم المشوي والكافيار… وتجد الضيف إذا تحدث عن مضيفه أثنى عليه وأسماه “كريما”. لكن، إذا قدم أحد ذلك أيام حاتم الطائي لم يسم كريما، ولعل قصائد الهجاء التي تكتب في بخله أكثر مما قدم على مائدته.
اعتاد الناس قديما أن يذبحوا النوق والبقر والأفرسة، ومع الوقت صار الخروف بديلا وبعده ديك رومي، إلى أن صار كوب قهوة وقطعة كعك كفيلا بإكرام الضيف. فلا نقول إن الكرم قد زال ولا قل، بل لا زال قائما ولكن مظهر تجلي هذه القيمة هو الذي تغير.
لنعد الآن إلى موضوع الشباب، فنجد مثلا أن العلاقة بين الأبناء والآباء في صورتها الحالية (في عمومها) لا تخلو من الاحترام والتقدير والحب، ولكن المظهر اختلف، فإذا كان ابن الأمس لا يجلس إلى المائدة حتى ينتهي الأب من الأكل تقديرا له وهيبة منه، فإن مشاركة ابن اليوم لأبيه ليس انتقاصا منه (وكذلك جلوس الأب مع أسرته ليس تنازلا عن قيمته ووقاره)، وقس على ذلك عدم جلوس الأبناء سابقا مع الكبار عموما للتحدث وغيرها كثير.
تجل آخر لفكرة اختلاف المظاهر دون القيم: كان التلميذ سابقا غير قادر على لقاء المدرس خارج المؤسسة التعليمية (احتراما له وتقديرا لمكانته)، فما بالك بمصافحته ومداعبة المدرس له (ولا في الأحلام). اليوم، نشاهد كيف يصافح التلميذ مدرسه ويتبادلان أطراف الحديث، ولم لا مشاركته نفس الطاولة في المقهى أحيانا، وكل ذلك ليس فيه انتقاص من قيمة المدرس، بل اختلاف في التعبير عما يكنه له ذلك التلميذ من احترام وحب. وهذه النقط هي على سبيل المثال لا الحصر.
ما دفعني لإثارة هذه النقطة التي أراها من الأهمية بمكان، كثرة الانتقادات المبنية على مقارنات خاطئة، موجهة إلى الشباب من طرف الأجيال السابقة، غير واعين بأن كثرة الأخطاء التي يقع فيها شباب اليوم وقلتها عند سابقيهم ليست بالضرورة لأنهم أسوء، ولكن لأن الأولين أيضا لم يعيشوا الوضع الحالي الذي يختلف كثيرا عن الماضي، وبالتالي لم تكن تجاربهم في نفس المجال. وفي هذا دعوة لإعادة صياغة نظرة المربين إلى فئة الشباب، لأن ما أسلفت ما هو إلا غيض من فيض.
أنا لا أنفي أن هناك تصرفات طائشة من البعض، وأن تجربة الآباء توزن الذهب. لكن القيام بدراسة نفسية واجتماعية أعمق لفهم هذه الفئة التي هي عماد الأمم أصبح مطلبا أساسيا، حتى يعود بالإمكان كسر الهوة بين جيل الأبناء وجيل الآباء، فيحافظ الصغار على القيم الموروثة، ويتقبل الكبار اختلاف مظاهر التعبير عن هذه القيم.
التعليقات: 4
هل لديك تعليق؟
- هل تريد صورة مصغرة بجانب تعليقك؟ يمكنك ذلك من خلال التسجيل في خدمة Gravatar. كما يمكنك الاستئناس بهذا الشرح.
- يرجى التعليق باللغة العربية الفصحى، وباسم مكتوب بأحرف عربية.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
فعلا أخي خالد قد صدقت فيما قلته وأنا أوافقك الرأي تماما، فالقيم ثابتة لكن ما اختلف منها هو المظهر.. لذلك فكثيرا ما نخطئ حينما نجري مقارنات خاطئة أساسا بين الذي كان وما هو كائن، ربما لأن الأوضاع الحالية وما فيها تجعلنا نعجز عن رؤية الأمور بشكل منطقي وسليم..
شكرا لك على الموضوع الذي استفدت منه..
مني لك أرق تحية..
أسعدني قراءة مقالك أخي خالد ^_^
ممتع جدا ووضح لي أشياء كنت أفهما ولكن غاب عني شرحها.
كن بخير
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته أخي عبد الهادي
لا أدري لم أحس بأنني مخضرم أنني أنتمي إلى جيل القدامى والجيل الجديد..
فقد وجدت مشاكل في توضيح بعض أفكاري للأول وصعب علي أيضا فهم بعض شباب اليوم
فحاولت أن أبحث في الموضوع.. طبعا هذه النقطة هي واحدة من كثير سأحاول ترتيبها وتقديمها مستقبلا.
شكرا لى مرورك
أختي عبير
أسعدني أنني أوضحت جزء من المبهم لديك وأسألك أن تعتبري هذا نقطة تساعدك على الوصول إل أمور جديدة تطلعينا عليها لاحقا بإذن الله
شكرا على مرورك ولك مني التحية