- 2011/04/27
- ثقافة وفنون
- الزيارات: 5٬474
- التعليقات: 2
الصراع اليهودي – الإغريقي بالإسكندرية في عصر الرومان (الجزء 2)
العبرانيون وتأثرهم بالبيئة الإغريقية
تؤكد المصادر الأدبية أنه رغم انغلاق اليهود على أنفسهم، إلا أنهم كانوا يتشبهون بحضارة العنصر الأقوى واضعين نصب أعينهم منفعتهم الخاصة، وقد تمثل ذلك في: استخدام الأسماء الإغريقية والعبرية مثل: (ثيوخرسيوس – يعقوب)، (ثيودوروس – إيوداس)، (تريفينا – سالومس)، (أرسينس – ساوا). استعمال اللغة اليونانية، في الأحداث بينهم ولتدوين تاريخهم، لدرجة أن بعضهم كان يجهل اللغة العبرية قراءة وكتابة. غير أن اليهود والحق يقال “شعب محافظ، يتمسك بأهداب الدين، ويسير على الصراط المستقيم، وبالتالي فقد كان الوضع الطبيعي هو أن يتم ترجمة كتابهم المقدس”. خلال القرن الثالث ق.م حتى يتمكنوا من إدراك محتوياته، وقد تم في غضون القرنين التاليين ترجمة الكتب الدينية الأخرى، وقد اشتهر ذلك كله باسم الترجمة السبعينية(1) Sptuaginta التي على حد قول أحد المؤرخين القدامى “كتاب عبري في ثوب إغريقي”.
التردد على قاعات التدريب Gymastuica لمشاهدة التمرينات دون حرج بل أنهم كانوا يلحون في الانضمام إليها وهذا بالتأكيد يتعارض مع ما تحث عليه الشريعة اليهودية من عدم كشف العورة، ذلك لأن الصبية في هذه القاعات كانوا يتدربون عراة تمامًا،(2) فضلاً عن ذلك كانوا والعين بحضور التراجيديات الإغريقية(3) (المسرح الإغريقي) وإبداء الإعجاب بها لدرجة أن صفوة المثقفين اليهود وعلى رأسهم الفيلسوف فيلون Philon (25 ق.م – 41م) كانوا يجاهرون بتفوق الثقافة الإغريقية وضرورة التفاعل معها والإفادة منها.
الارتداد الديني، حيث صبأ فريق منهم غير حافيين بالوصايا العشر(4) Dekalogoi فدخلوا المعابد المصرية والإغريقية كعابدين للأوثان، راكعين للأصنام، مشاركين في الاحتفالات والأعياد والمهرجانات السنوية التي تقام على شرف الآلهة المتعددة. التصاهر مع المصريين والإغريق، فتزوجوا منهم دون مبالاة بقيم شريعتهم، فضلاً عن ذلك فقد قلدوا عادات الإغريق في تناول أنواع من الأطعمة تضم لحم الخنزير، وأيضًا الخبز المختمر (مكتمل التخمير)، وكانوا يعملون أيضًا يوم السبت وهو ما يتعارض مع احد نصوص الوصايا العشر، والأهم من ذلك كله أنهم مارسوا عملية الختان. وهذه كلها عادات تتعارض مع المعتقدات الراسخة في نفوس اليهود. ممارسة العادات والتقاليد المصرية القديمة، التي مارسها أيضًا الإغريق آلا وهي تحنيط الجثث دون مبالاة بالقيم التي تفرضها شريعتهم والتي تقضي بتحلل الجسد البشري بعد الوفاة ليبرأ صاحبه من الأدناس والآثام والخطايا.
لكن السؤال له شق آخر: هل تأثر كافة يهود مصر بالبيئة المصرية تأثراً أنساهم عاداتهم وتقاليدهم وشرائعهم الموروثة أب عن جد؟ النفي هو الإجابة؛ إذ أن الغالبية العظمى ظلت تتخبط طويلاً في دوامة هي كيف يتسنى له التسليم للفكر الهيلليني، وفي الوقت ذاته الحفاظ على الروح العبرية. وفي النهاية استقر رأي الغالبية العظمى من اليهود على أن التوفيق بين هذه المتناقضات شيء مستحيل، ومن ثَم آثر السلامة ودرأ بحزم ما لا يتفق مع طبيعته مثل: الشرك المتمثل في عبادة الآلهة المتعدد، والقتل المتمثل في عادة التخلص من الأطفال بإلقائهم أو بيعهم أو رهنهم، والشذوذ الجنسي المتمثل في العلاقات مع الرجال، والزنا المتمثل في اقتراف المحرمات مع النساء. وخلاصة القول؛ أنه إذا كان اليهود العقلاء المثقفون قد حاولوا الانسجام مع البيئة فأوجدوا نوعًا من الموائمة بين مجتمعهم العبراني وبين المجتمعات التي يعيشون وسطها، فاستطاعوا أن يخلعوا على حياتهم صبغة مصرية، فإن اليهود الغلواء المتطرفون – وهم الأكثرية – قد مالوا إلى المحافظة على جوهر قوميتهم، وصميم خاصيتهم، ورسوخ أعرافهم.
_____________________________
(1) هي ترجمة العهد القديم إلى اللغة اليونانية، مع بعض الكتب الأخرى التي نقل البعض منها عن العبرية كسائر أسفار العهد القديم، والبعض الآخر كتب أصلا في اليونانية. وسميت هذه الترجمة بالسبعينية بناء على التقليد المتواتر بأنه قد قام بها سبعون ( أو بالحري اثنان وسبعون) شيخًا يهوديًا في مدينة الإسكندرية في أيام الملك بطليموس الثاني فيلادلفوس ( 285 – 247) ق. م .
Jennifer M. Dines, The Septuagint, Michael A. Knibb, Ed., London: T&T Clark, 2004
(2) زكي علي، الإسكندرية في عهد البطالمة والرومان.- ب.ط.- الإسكندرية: مطبعة دار المستقبل، ب.ت. ص 41 – 42
(3) التراجيديا من المصطلحات الفنية التي تستخدم في القواميس الفنية التعبيرية وكان أول من صنفها فناً الفلاسفة الآغريق حيث وظفوها في إعمالها الفنية والمسرحية في ذلك الوقت لأن المسرح الإغريقي هو أول من قدم الأعمال التراجيدية من خلال مسرحيات تعكس حياة الإنسان وصراعه مع نفسه ومع الطبيعة ثم مع بني جنسه وقد قدمت مجموعة من الأعمال المسرحية ذات الطابع الدرامي الذي جسد مأساة لمواقف إنسانية مختلفة ومن هنا اقترنت التراجيديا بالفن الدرامي وأطلق عليها المأساة إضافة إلى المسميات التي تندرج تحت عنوان الدراما مثل الكوميديا والميلودراما. أصل كلمة تراجيديا هو يوناني ومعناه اللفظي حسب اللغة اليونانية أغاني الماعز وقد ارتبط هذا الاسم عندما قدمت مسرحيات دينية يقوم عناصرها أو المجموعة بعرض عدة رقصات وهم يرتدون جلد الماعز والتراجيديا وفق لمهمتها الفنية تحكي أحداث محزنة كثيرا ما تنتهي بنهاية مؤلمة مثل ما حدث مع روميو وجوليت وانطونيو وكليوباترا وغيرهم.
(4) الوصايا العشر: هي القوانين العشرة، حسب الكتاب العبري، التي أنزلها الله على النبي موسى. تعتبر الوصايا العشر الأساسية أحد أهم الوصايا التي نزلت على بني إسرائيل ويصل عددها إلى 600 وصية موجودة في العهد القديم. تعتبر الوصايا أسس أخلاقية في اليهودية والمسيحية، ومضمونهن أيضا موجود في الإسلام.
التعليقات: 2
هل لديك تعليق؟
- هل تريد صورة مصغرة بجانب تعليقك؟ يمكنك ذلك من خلال التسجيل في خدمة Gravatar. كما يمكنك الاستئناس بهذا الشرح.
- يرجى التعليق باللغة العربية الفصحى، وباسم مكتوب بأحرف عربية.
شكرا على هذا البحت الجميل الذي يجول في تاريخ هذا الجنس من البشر، او كما يلقبون انفسهم “الشعب المختار” ولماذا يعذبكم الله؟.
اليهود بداية ام نهاية؟ وتوهم العرب بالإفتراض الأخير، فهم واهمون.
شاكر ومقدر رأيكم، ونأمل أن تنال باقي أجزاء الدراسة اعجابكم بعد نشرها