ارحميها يا عدالة السماء

يا ملائكة السماء شدي بتلابيبي من السقوط وأعيدي إلى عيني النور الذي أفقدتنه الفاجعة، احميني من وشك الإغماء… يا من كتب الموت علينا حقا ارحم ضعفي من موت عزيز غرت به الحياة، ارحمني لأتحمل أكبر خسارات العمر، رحماك فأنا صريع تنبشه الهواجس والأحلام وتعيش على جثته ذاكرة الأيام ، ارحمني لأعيش ثوانيا أرثي فيها مفقودي وأبكي عليه ما تبقى من حياتي لعلني أوصل إليه بعضا من حسراتي وندامتي وذنبي الذي لا يغتفر.. تمهل يا ملك الموت… فأنت تقطف روح ملاك يعيش بين البشر، تمهل وانتشلها ببطء وحذار أن توقظها فهي نائمة، وإلا حلت عليك لعنة الملائكة… قل لحراس القبر أن استعدا لاستقبال نفس طائعة أبية…

يا ملاكَي القبر اظهرا احتراما، فعمتي الفاضلة بين أيديكم فأثبتوا عندما تسألكم: من ربكم؟.. أخبرنها يا ملائكة القبر عن تعيس ينخره الشقاء بعد ذهابها من حياة الأحياء، أخبرنها عن صغيرتها وعن أشياءها التي رحلت عنها، وقلن لها إنني أجثو أمامها باكيا كل مساء، اطلبي منها الغفران لتائه أفسدت عليه الغربة رؤية وجهها حتى ولو بعد الوفاة..

حدثيها عن مصابي الجلل، عن حرقتي وجفاف حلقي، عن ضعفي وقصر حيلتي… عن يتم العمة الذي يشبه يتم الأبوين… فلا تخذليني يا ملائكة السماء وافعلي كل ما يليق بسمو المقام…

أخبريها عن ماض بعيد لم يبق لي منه سوى دموع مدرار وذكريات مصورة أندتها عبراتي حتى ترهلت، أخبريها كم كنت بأحضانها وكم ناديتها أمي… حدثيها عن أيام الحصاد عندما أرقد بجانبها فتُنسيني غياب أمي.. حدثيها عن صغير أعدت له الطعام فاشتهاها.. عن صغير دثرته في ليالي الشتاء الطويلة عندما انصرفت أمه إلى أعباء الحياة…

حدثيها عن مسافات قطعناها سويا في الأجمة لجلب الحشائش للأبقار… ذكريها بمواسم جني اللوز في حرارة الصيف وسنوات الربيع في ثغور “طاطا” .. عدي عليها حسناتي علها تغفر لي خطيئتي الكبرى، فلا عذر لدي اليوم أثبت به براءتي، أأقول لها إن بعدك قطع عني صلة الرحم؟ أم أتذرع لها بالركض والدراسة؟ … محال أن نتذرع بهاته الترهات للأموات، فتعلمين أيتها الملائكة أن الوقت والزمان لا معنى لهما في حضرة المنية، وأن ذرائعي تبدو حينها كمحاولة نملة لإخفاء فيل…

ها أنذا عابس الوجه، متعب وحزين ليس لأنني أقف في وجه إرادة السماء، فالهه الذي أودع في عمتي روحا في الرحم هو من أخذها منها على سرير السقم، بل أبكي على فراق لم تتحمله قواي، أبكي على معاناتها مع المرض قبل الرحيل، أبكي على خسارة قلب حنين في عز العمر، أبكي على زهرة تفتقت أمام ناظري وفجأة طيرتها الريح من أمام عيني من دون إنذار ولا استئذان، أبكي على إحساسها عند المغادرة وهي تودع طفلتها الصغيرة وراءها…

… فارحمي يا عدالة السماء عزيزا أذلته الحياة بمخالب الموت، وأراه الدهر قيمة الحياة بمرآة المنايا… ارحمي حياة دخلتها الأحزان برحيل حياة لدار الخلد… ارحمي نفسا مطمئنة فقدتها الديار واحقنيني مزيدا من الجلد حتى ألقاها في الجنة وأشبع من رؤية صورتها للأبد، وأنتقم من الزمان الذي لا يجيد سوى خطف الأخيار… فأنا لن أودعك ولن أنشد على قبرك مقطوعة وداع الأحبة، بل يكفيني أن أقول لك: إلى اللقاء يا عمتي… إلى اللقاء…

نبذة عن:

ادريس ورزكن

ادريس ورزكن: من مواليد اكتوبر 1987 بعمالة طاطا جنوب المغرب. طالب بالسنة الثالثة بجامعة ابن زهر و متدرب بشعبة الالكتروميكانيك - اكادير . هوايتي المطالعة وكرة القدم.

عدد المقالات المنشورة: 18.

تابع جديد ادريس ورزكن: الخلاصات

التعليقات: 3

  • بقلم *أمل البرديني* بتاريخ 26 أكتوبر, 2014, 11:56

    **كم هي رائعة منك الكلمات…اتمنى لك التألق دوماُ..**أمل

  • بقلم ادريس ورزكن بتاريخ 7 أبريل, 2015, 16:08

    عبق إطلالتك يزيد المرء إبداعا، مشكورة على قراءتك و دام لك الأمل … يا أمل

  • بقلم حفيظة باروس بتاريخ 14 يوليو, 2018, 13:18

    إن ناءت الأجسام فالأرواح تتصل بالدعاء، هي قطعة من الجنة وقد عادت إليها.
    رحم الله عزيزتك.

هل لديك تعليق؟

  • هل تريد صورة مصغرة بجانب تعليقك؟ يمكنك ذلك من خلال التسجيل في خدمة Gravatar. كما يمكنك الاستئناس بهذا الشرح.
  • يرجى التعليق باللغة العربية الفصحى، وباسم مكتوب بأحرف عربية.
© 2024 مجلة القراء.
هذا الموقع يستعمل وورد بريس المعرب، تصميم وتركيب دنيا الأمل.